روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | هلاك الظالمين.. عبر وآيات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > هلاك الظالمين.. عبر وآيات


  هلاك الظالمين.. عبر وآيات
     عدد مرات المشاهدة: 3713        عدد مرات الإرسال: 3

رغم يقيننا بأن الدنيا كلها بكل ما فيها من متع لا تبلغ أن تكون ثوابا للمحسن، فما يناله آخر من يدخل الجنة من المؤمنين ما يعادل عشرة أمثال الدنيا بكل ما فيها، وموضوع سوط أحد المؤمنين في الجنية خير من الدنيا وما فيها، ورغم يقيننا أيضا أنها بكل ما فيها من بؤس وشقاء وتعب لا تبلغ أن تكون عقوبة للمسيء الظالم، فيوم القيامة وحده، يوم يقف الناس للحساب يساوي خمسين ألف سنة أي ما يعادل تقريبا ألف مرة من متوسط أعمار الظالمين، وساعتها يتمنى العصاة والمجرمون من هول هذا اليوم أن ينصرفوا منه ولو إلى النار، وهم لا يدرون ما في النار، فرغم يقيننا بهذا كله إلا أن الله سبحانه يُري المؤمنين بعض الآيات تثبيتا لقلوبهم وتخفيفا عنهم لكي تكون إشارات تؤكد لهم بأن الله عز وجل هو القوي المتين وأنه لا يغلبه غالب وأنه سبحانه لا يعجزه شيء ولا راد لحكمه ولا معقب لأمره ولن يجري شيء في ملكه إلا بإذنه.

فيرينا الله سبحانه بعضا من مصارع الظالمين لكي نعتبر ونعلم أنه سبحانه وحده هو الملك ولا ملك غيره وأنه القادر فلا قادر سواه.

فقص الله عز وجل علينا في القرآن الكريم بعضا من صور مصارع الظالمين المتكبرين لنؤمن علم اليقين بان الله إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون، فقص علينا نهاية من قال للناس {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ومن تجرأ على قول: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} فأخذه الله سبحانه وأهلكه وجنوده {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.

وقص الله علينا عاقبة من تجبر على الناس بماله وظن أنه قادر بهذا المال على أن يصنع كل شيء فأهلكه الله وخسف به الأرض بعدما بلغ أوج انتفاخه وعظمته {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} فجاءه الأمر الإلهي الذي لا يرد {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}.

وكان مصرع فرعون هذه الأمة آية وعلامة على تنكيل الله بالعصاة المجرمين الظالمين ففي صحيح الإمام مسلم أنه في ليلة غزوة بدر يمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على أرض المعركة ويشير بإشارات على الأرض للصحابة رضوان الله عليهم ويقول: «هذا مصرع فلان»، فيقول أنس: ويضع يده على الأرض هاهنا هاهنا. فما ماطَ أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى المسلمون أكابر مجرمي مكة صرعى على الأرض ليحمدوا الله ويكبروه وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.

وهلاك الظالمين نعمة تستوجب الشكر لله سبحانه، إذ يخر المسلم ساجدا لله ذاكرا لأنعمه مستحضرا قوته وسطوته وجبروته مرددا سبحانك يا ربنا ما أعظمك ثم ليحمد ربه سبحانه عند سماع خبر نهاية الظالم، فكما قال الله عز وجل في كتابه توجيها للمؤمنين بالتوجه إليه بحمده عند سماع خبر هلاك أحد الظالمين {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

ورؤية مصارع الظالمين تزيد الإيمان لانتقالها من علم اليقين إلى عين اليقين، فعندما يرى المؤمن المفارقة العجيبة بين موقفين، موقف الظالم وهو في أوج قوته وسطوته واستعلائه وتكبره، يكاد يظن في نفسه أنه يقول للشيء كن فيكون، وبين موقف آخر يراه فيه ذليلا منكسرا- حيا أو ميتا- لا حيلة له ولا إرادة ولا سطوة، يراه مهزوما منكسرا ينتظر ما يفعل به أن كان حيا ويقلبه الناس ميتا على وجهه وظهره فلا يحرك ساكنا ولا يأمر ولا ينهي، ساعتها يخر المؤمن ساجدا لربه بعدما أراه مثل هذه الآية العظيمة.

وحملت كتب السير بعضا من المواقف ذات التعبير الشديد للمفارقة بين الحالين، فبعد عهد تجبر فيه البرامكة حينما كانوا وزراء في عهد الرشيد ثم عزلوا وسجنوا وصفدوا وغلوا وقبعوا في السجون المظلمة التي طالما حبسوا فيها غيرهم، جمع موقف بين يحيي البرمكي وولده فسأله الابن: يا أبتِ، بعد العز، أصبحنا في القيد والحبس، بعد الأمر والنهي، صرنا إلى هذا الحال؟ فقال: يا بُنِي، دعوة مظلوم، سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها.

وهكذا تكون المفارقة أن يتبدل الحال سريعا جدا بين انتفاش وانتفاخ شديدين إلى ذل وهوان وصغار، وتكون المفارقة اشد إيلاما حينما يكون الانتقال في اللحظة التي ظنوا فيها أنهم ملكوا كل شيء وبيدهم القدرة على كل شيء، فيأتيهم أمر الله بغتة {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا}.

ولذلك كان حال الأنبياء المرسلين وكذلك حال المؤمنين الصالحين حينما يرون إقبال الدنيا، إذ يكونون في أشد اللحظات خوفا وتواضعا واعترافا بفضل الله عليهم، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح ورأسه تكاد تمس ظهر راحلته تذللا لله سبحانه واعترافا بقيوميته على خلقه وبقدرته وبسطوته، ولما فتحت قبرص بكى أبو الدرداء رضي الله عنه، فسئل ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ ، فقال: ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

ويشاء الله سبحانه أن يري الأمة الإسلامية كل فترة نماذج من هلاك الظالمين لتكون لنا عبرة وأية، فكما أرانا تجبرهم وتسلطهم يرينا مصرعهم وذلهم حتى نوقن أن الله وحده يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء لندرك أن الله وحده بيده الخير وبيده الأمر وله الحكم وليس لأحد سلطان غيره.

هيلاسيلاسي الصليبي المجرم:

فيحكم الحبشة المجرم الصليبي المغرور (هيلاسيلاسي) وينذر نفسه لمحاربة الإسلام والمسلمين ليسومهم سوء العذاب ويذبح أبناءهم وليغتصب نساءهم وليحرق دورهم وليستأصل وجودهم، ووضع خطة لمحو اسم المسلمين من الحبشة في خلال خمسة عشر عاما، وعرض خطته وتباهى بها أمام الكونجرس الأمريكي، وبدأ تنفيذ خطته بحرق قرى المسلمين كاملة بشيوخها ونسائها وأطفالها بإشعال النار وسكب البنزين على تلك القرى.

وكانت نهايته آية وعبرة إذ انقلب عليه بعض أتباعه في عام 1974 بعد حكم دام ستة وأربعين عاما، فقاموا بانقلاب عسكري وقبضوا عليه وأودعوه ذات السجون المظلمة القذرة التي طالما سجن فيها عشرات الآلاف من الأبرياء المظلومين، وقد بلغ من العمر حينها واحدا وثمانين عاما، ليقضي آخر عام في حياته وحده في زنزانة ضيقة، حتى قتله أحدهم ودفن بجوار مرحاض قذر، وهو المكان الذي يعطينا الآية والعظة في سوء الخاتمة بعد التجبر والسلطة، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.

وفي الآونة الحالية أرانا الله بعض الآيات في هلاك الظالمين، وتتنوع النهايات ولكنها كلها عبر، وتنوع الآيات غير جديد فقد قاله الله في كتابه العزيز: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فاختلاف النهايات هو مجرد أوجه لقدرته الله سبحانه بحسب حكمة يعلمها.

ابن علي الكاره للشريعة:

فابن علي ذلك الرجل الذي كان يكره شريعة الله، ويصدر القرارات بتجريم وحبس المتزوج بزوجة ثانية، ويجرم لبس الحجاب الشرعي على نساء تونس المسلمات، ويحارب كل فضيلة ويفرح بانتشار كل رذيلة، ييسر افتتاح بيوت البغاء ويحاول منع دخول الناس للمساجد، ويضطر التونسيين للبحث عن وسيلة للهجرة والهروب من بلدهم، يرينا الله فيه آية بأن يذوق من جنس ما عمل، بأن يكون الهروب هو أقصى أمله أيضا.. ولا يجد ملجأ يأويه إلا الاحتماء في ظل نص من نصوص الشريعة، وهو طلب الأمان واللجوء، ليحتمي بالشريعة التي كان يكرهها ويعمل دوما على إقصائها، وليصم أذنيه كل صباح ومساء صوت الأذان ليدوي في أذنيه كالرصاص منطلقا من كافة الأرجاء التي تحيطه ليعذب بانتصار الشريعة عليه كل يوم خمس مرات حتى يلقى ربه فيحاسبه على عمله، ويعذب أيضا بأن نفس الشريعة التي حاربها هي الآن صمام أمنه وحمايته.

القذافي وجرائم تستعصي على الحصر:

وجاء القذافي بجرائمه التي يستحيل على البشر إحصاؤها، فمنهم من يقدر عدد قتلاه في أيامه الأخيرة فقط بخمسين ألفا، فضلا عن جرائمه السابقة في قتل شعبه والاستعانة عليهم بمرتزقة جمعهم من كل مكان، وانتهك أعراض نساء أهل بلده هو وطغمته وأبناؤه وحاشيته، ظن أنه ملك كل شيء، حتى انه كان يحلو له أن يسمي نفسه بملك ملوك أفريقيا، ظن أنه ملك الأرض ومن عليها، واعتبر الناس كالجرذان كما كان يخاطب معارضيه دوما، فجاءه أمر الله من حيث لا يحتسب واستخرجه الناس من ماسورة صرف صحي اختبأ فيها هو والجرذان الحقيقيين، فأخرجوه منها متوسلا باكيا ذليلا يسترحم من لم يرحمهم يوما، يبكي لمن لم يسمع بكاءهم يوما، ليكون جزاءه من جنس عمله، بأن يتذوق مرارة القتل، ليغسل وحده بلا حاشية، وليدفن في قبر غير معلوم لكي لا تناله أيدي الباطشين بعد موته جزاء بما فعل، ولعذاب الآخرة اشد وأبقى للعصاة المجرمين.

مبارك ومرارة السجن:

لمن لا يعرف، فان سجون مصر تختلف عن كل سجون، فالسجون في مصر تخصص قديم ومهنة مبتكرة، تمتهن فيه كرامة كل داخليها، يخرج الإنسان منها- إن خرج- ذليلا مهانا بسبب ما يرتكب فيها معه، وسجون مبارك كانت أقسى وأشد، وكان التعذيب يجري فيها بالوكالة والنيابة، فمن يريدون تعذيبه من كل الجنسيات ليقر بما لم يفعل كانوا يرسلونه للسجون المصرية فيقر بكل شيء فلا توجد عقوبة أشد من الاستمرار في السجون المصرية، ويكفي أن لفظ السجن لم يرد في القرآن الكريم إلا في مصر فقط وفي موضعيين في القرآن ومع نبيين كريمين من أنبياء الله، فقال الله عز وجل عن يوسف عليه السلام {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}، وهدد فرعون به موسى عليه السلام إن اتخذ الله إلها له: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}.

فأراد الله عز وجل أن يتذوق مبارك مرارة السجن بعد ما كان فيه من العز والملك، وأن يحكم عليه وعلى وزير داخليته بالسجن جزاء بما فعلا من سجن للمؤمنين ونكالا بهم، والله يحكم ولا معقب لحكمه.

ويشاء الله سبحانه ألا يقبضه حتى يرى بنفسه أن واحدا ممن سجنهم مرارا في سجونه، يخرج منها ليعتلى كرسي رئاسة مصر، وليقبع هو وأبناؤه وأركان حكمه في نفس الوقت في ذات السجن- ولو أنهم لا يزالون يعاملون معاملة تختلف عن معاملة المساجين إلا أن السجن في كل الأحوال مصيبة- بعد أن كان رئيسا ملكا حاكما بأمره وسبحان مغير الأحوال، فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه.

وننتظر البشرى:

وأنا لننتظر اليوم الذي تقر فيه أعين المؤمنين، لنخر سجدا لرب العالمين بنهاية ظالم آخر مستبد وهو بشار الأسد الذي عاث في الأرض فسادا وإفسادا، وأنا لنراه قريبا بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وبإهلاك ذلك المجرم المستبد، وما ذلك على الله بعزيز.

الكاتب: يحيى البوليني.

المصدر: موقع المسلم.